التنفس من الفم: التوابع الجسدية، العقلية والعاطفية
يعتبر التنفس أحد أهم الوظائف التي يقوم بها جسم الإنسان في كل مرة نتنفس بها، يمكن أن يتأثر الجسم بشكل إيجابي أو سلبي و ذلك يعتمد على كيفية التنفس من المؤكد أن التنفس الطبيعي والصحيح هو التنفس عن طريق الأنف إلا أن البعض قد يلجأ إلى التنفس من الفم خاصة في حالة وجود إحتقان في مجرى التنفس العلوي.
خلال التنفس الطبيعي، يتمدد البطن و يتقلص في كل مرة يحدث بها الشهيق والزفير. كما يجب أن لا يبذل الشخص مجهوداً أثناء التنفس، فيكون التنفس هادئاً ومنتظماً و الأهم من ذلك أن يكون التنفس عن طريق الأنف. في المقابل، التنفس من الفم عادة ما يكون سريعاً، مسمو عاً و مصاحباً بالتنهد مع حركة واضحة للصدر. هذا النوع من التنفس يحدث عادة للشخص في حالة التوتر، لكن بعض الأشخاص قد يعتادون على هذا النمط من التنفس من الفم مما يؤثر سلباً على صحة الجسم من خلال التنفس بصورة كبيرة لفترة طويلة. إن الاعتياد على التنفس من الفم يصاحبه آثار سلبية حقيقية تلحق الضرر بالشخص خاصة فيما يتعلق بنمو الوجه وشكله.
1. أهمية التنفس من الأنف في إفراز غاز أكسيد النيتريك
أثبتت العديد من الأبحاث فوائد وأهمية التنفس من الأنف في الحفاظ على صحة الجسم. يحتوي الأنف على آليات تنقية معقدة تعمل على تنقية الهواء الذي نتنفسه قبل دخوله إلى الرئتين التنفس من الأنف يضمن المحافظة على حجم الرئتين مما يساهم بشكل غير مباشر على كمية الأكسجين الموجودة في الدم.
إحدى أهم الفوائد للتنفس من الأنف هو إفراز غاز أكسيد النيتيرك. أكسيد النيتيرك موجود خلال التنفس إلا أن المعرفة قليلة وراء وجوده و دوره كإنزيم معظم أكسيد النيتريك في الأشخاص الأصحاء يتم إفرازه في الأنف خلال التنفس و يزداد إفرازه عند حبس
الأنفاس. يعمل هذا الغاز بصورة فريدة في الثديات حيث يلعب دوراً مهماً جداً في تنظيم تدفق الدم، عمل الصفائح الدموية، جهاز المناعة و السيالات العصبية. على الرغم من أن هذا الغاز يتم إفرازه خلال دقائق أثناء التنفس، إلا أن دوره الحيوي يكمن في وصوله إلى الرئتين حيث يعمل على زيادة سعة الرئة لامتصاص الأكسجين و بالتالي ادخال كمية كافية من الأكسجين إلى الدم والخلايا. يلعب أكسيد النيتريك دوراً مهماً في انخفاض ضغط الدم المرتفع، المحافظة على استقرار الجسم ، تقوية جهاز المناعة و تنظيم إرسال السيالات العصبية.
2. تأثيرات التنفس من الفم
الاعتياد على التنفس من الفم، يؤثر بشكل عكسي على طريقة تنفس الشخص حيث يعتاد على أخذ الشهيق و الزفير من الفم سواءً عندما يكون مستيقظاً أو نائماً أكدت معظم الأبحاث و الدراسات ارتباط التنفس من الفم بتعرض الشخص باضطرابات التنفس أثناء النوم، الإرهاق، نقص الإنتاجية و نقص في جودة الحياة مقارنة بالأشخاص الذين يتنفسون من الأنف.
عند الأطفال، الآثار السلبية للتنفس من الفم أكبر بكثير لأنه يؤثر بشكل كبير على نمو الوجه و مجرى التنفس في السنوات الأولى من الحياة. إن لم يتم تعديل نمط التنفس عند الأطفال منذ البداية، فسيصحب ذلك العديد من المشاكل و الإضطرابات مدى الحياة خاصة فيما يتعلق بالجهاز التنفسي و شكل الوجه، حيث يصبح شكل الوجه أقل جاذبية بسبب سوء إطباق الأسنان و استطالة الوجه مما يزيد خطر الإصابة بالشخير و انقطاع التنفس الإنسدادي أثناء النوم لدى الأطفال و البالغين. أوضحت دراسة أجنبية الدور المهم الذي يلعبه سقف الحلق في تحديد جريان الهواء من الأنف أو الفم. حيث بينت الدراسة أنه أثناء التنفس من الفم يرتخي سقف الحلق و يتجه للخلف ليقترب من الحنجرة مما يؤدي إلى تضيق و إغلاق مجرى التنفس العلوي بين الأنف والحنجرة. أما عند التنفس من الأنف، يكون سقف الحلق متجهاً للأمام باتجاه اللسان مما يغلق
مجرى التنفس بين الفم والحنجرة و بالتالي يبقى مجرى التنفس العلوي بين الأنف و الحنجرة مفتوحاً.
خلال هذه الدراسة، تم توثيق إبقاء الفم مفتوحاً أثناء النوم عند الأشخاص الأصحاء و الأشخاص المصابين بانقطاع التنفس الإنسدادي أثناء النوم. إبقاء الفم مفتوحاً حتى أثناء التنفس من الأنف، يزيد من فرصة تضيق مجرى التنفس العلوي و ذلك بسبب رجوع الفك السفلي للخلف مما يقلل من مساحة مجرى التنفس و قطر القصبة الهوائية. كما تؤدي حركة الفك إلى حدوث ضغط على العضلات الموجودة في مجرى التنفس مما يزيد من حجم المشكلة و المضاعفات المترتبة عليها.
لسوء الحظ، هناك عدم اهتمام لحجم مشكلة التنفس من الفم و مدى تأثيرها السلبي على الجسم وكيف يؤثر على نمو الوجه و يزيد فرصة الإصابة بالعديد من المشاكل الصحية كما يحدث تداخل بين مشكلة التنفس من الفم و مشكلة فرط الحركة و نقص التركيز عند الأطفال بناءً على مؤسسة النوم الدولية، فإن اضطراب فرط الحركة و نقص التركيز مرتبط بعدد كبير من اضطرابات النوم عند الأطفال. فالبالغلين و الأطفال يتصرفون بشكل مختلف عندما يعانون من انعدام النوم. البالغون عادة يعانون من التعب والإرهاق أما الأطفال فيعانون من فرط الحركة و النشاط إن لم يأخذوا قسط كافي من النوم و الراحة أثناء الليل. لهذا السبب، قد يحصل التباس بين أعراض نقص النوم و أعراض اضطراب فرط الحركة و قلة التركيز عند الأطفال. قد يصبح الأطفال أيضاً مزاجيين، عدائيين و قد يعانون من اضطرابات عاطفية نتيجة لنقص النوم. في دراسة شملت 2463 طفل أعمارهم من 6 سنوات إلى 15 سنة، تبين أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل في النوم كانوا أقل تركيزاً، أكثر حركة، متهورين و يعانون من اضطرابات سلوكية بصورة أكبر مقارنة بالأطفال الذين ينامون بشكل طبيعي. في دراسة أخرى نُشرت في المجلة العالمية للأطفال بحثت عن التأثير طويل الأمد لشكل الوجه و نموه عند الأطفال الذين يتنفسون من الفم بشكل دائم حيث أثبتت مدى التأثير السلبي الماشر و الغير مباشر حتى على سلوكيات الأطفال. لذا، من المؤكد أن التنفس من الفم له آثار سلبية حقيقية على مستوى الصحة النفسية و العقلية عند الأطفال حيث ترتبط بانسداد مجرى التنفس العلوي، نقص في جودة النوم، نقص في الوظائف الإدراكية و قلة جودة الحياة بشكل عام. 3. إنتشار، أسباب و المضاعفات الجسدية للتنفس من الفم
أوضحت دراسة في البرازيل أن نسبة انتشار التنفس من الفم عند الأطفال الذين أعمارهم من 3 إلى 9 سنوات تقدر بحوالي %55 في عينة تحتوي على 370 طفل. أشارت الدراسة أن أسباب التنفس من الفم تشمل حساسية في الأنف (81.4%)، تضخم اللحميات الأنفية (79.2%)، تضخم اللوزتين (12.6%)، انحراف انسدادي للوتيرة الأنفية (1%). أهم المضاعفات الجسدية للتنفس من الفم إبقاء الفم مفتوحاً أثناء النوم (86) ، الشخير ،(79) ، حكة في الأنف (77%)، سيلان اللعاب على الوسادة (62) ، اضطراب في النوم (62%) ، انسداد في الأنف (49%)، التهيج خلال النهار (%43). على الرغم من أن الحساسية الأنفية تعتبر أحد أهم أسباب إحتقان الأنف، فإن الشعور بنقص الهواء يجعل الشخص يتنفس من فمه بدلاً من أنفه.
بينت دراسة أخرى حدوث تغيرات في شكل الوجه و الفم لدى الأشخاص الذين يعتادون على التنفس من الفم و تشمل هذه التغيرات: عدم إطباق كامل للشفتين و ارتخاء اللسان أسفل الفم، ارتخاء و نقص التناغم في الشفتين، اللسان و الخدود و موضع اللسان الخاطئ بين الفكين أثناء المضغ والبلع.
1.3 تأثير موضع اللسان إلى أسفل
عندما يتنفس الشخص من فمه، سيرتخي اللسان إلى أسفل مما يعطي حيزاً أكبر لدخول كمية كبيرة من الهواء مما يزيد من اضطرابات في وظيفة اللسان اضطرابات وظيفة اللسان يؤدي لحدوث ضغط أكبر على الفكين و الأسنان خلال بلع الطعام مما يسبب سوء إطباق عند الأطفال الذي يؤدي إلى أمراض اللثة و آلام في عضلات الوجه بعد البلوغ. إضافة إلى ذلك، يؤدي ارتخاء اللسان أسفل الفم إلى حدوث إضطرابات عضلية و وظيفية للفم و الوجه مما يؤث على مضغ الطعام و بلعه، النطق، إطباق الأسنان، حركة مفصل الفك، صحة و سلامة الفم، ثبات تقويم الأسنان تناسق شكل الوجه و نموه. أكثر الإضطرابات العضلية و الوظيفية للفم و الوجه انتشاراً هي:
التنفس من الفم بدلاً من الأنف
إبقاء الفم مفتوحاً في أغلب الأوقات
عدم القدرة على إطباق الشفتين
عدم القدرة على تحريك الشفة العلوية
اندفاع اللسان
ارتخاء اللسان
ارتباط اللسان
صعوبة في مضغ الطعام
سوء إطباق الأسنان
اضطرابات في مفصل الفك
عادات فموية خاطئة (مثل مص الإبهام)
التنفس من الفم يؤدي إلى أن يبقى اللسان في موضعه الخاطئ (في أسفل الفم بنما التنفس من الأنف يجعل اللسان بشكل تلقائي في موضعه الصحيح (في الأعلى باتجاه سقف الحلق كما يحافظ على إبقاء الشفتين مطبوقتين. أوضحت دراسة أن موضع اللسان الصحيح في أعلى الفم باتجاه سقف الحلق يؤثر بشكل كبير و فعال على حركة عضلات الفك و الفم كما يقلل من ضربات القلب مقارنة بموضع اللسان الخاطئ في أسفل الفم. بما معناه أن إبقاء اللسان في موضعه الصحيح يعتبر ضرورياً لتحقيق التوازن في عضلات الفم و الوجه. 2.3 مشاكل في الاستقامة
إضافة إلى اضطرابات البلع وخصائص الوجه مشاكل الاستقامة هي إحدى المشاكل التي يتعرض إليها الشخص الذي يعتاد على التنفس من الفم. عندما يتنفس الشخص من فمه و يضيق مجرى التنفس، يقوم الشخص بالانحناء و امداد رأسه للأمام بشكل تلقائي لتعويض التضيق الذي حدث في مجرى التنفس و محاولة أخذ كمية أكبر من الهواء.
إن مد الرأس إلى الأمام غالباً ما يؤدي إلى إرهاق العضلات، آلام الرقبة، ضغط على مفصل الفك، ضغط على فقرات الظهر، التهاب المفاصل، الصداع التوتري و مشاكل في إطباق الأسنان.
4. الحلول متعددة الجوانب
من أجل الحصول على توازن بين الفم و الأنف، يجب على المريض أن يحاول حل المشكلة من جميع جوانبها المتعددة. “من الأساسيات المهمة الحصول على كافة المعلومات الصحية من الأهل يجب على الأهل الإجابة على الأسئلة المتعلقة بعادات نوم طفلهم و التي تشمل إن كان الطفل ينام و فمه مفتوحاً، أو يصدر صوتاً مزعجاً أثناء تنفسه، أو لا يمتلك التركيز الكافي عند ذهابه للمدرسة، أو أن يشعر الطفل بالنعاس خلال اليوم، أو أن تكون الوسادة مليئة باللعاب بعد النوم. كل هذه الأسئلة يجب أن يجيب عليها الأهل لأنها تحدد ما إذا كان الطفل يعاني من التنفس من الفم على الرغم من أنه لا يوجد فحص واحد محدد يجزم أن الشخص يتنفس من فمه إلا أن طريقة تنفسه خلال ثلاث دقائق في فترة الراحة تعتبر مؤشراً واضحاً لتنفسه طيلة اليوم و أثناء النوم.
تعاون فريق طبي متكامل يتكون من أطباء الأطفال، الأنف و الأذن والحنجرة، تقويم الأسنان، الأسنان، تمريض الأسنان، أخصائي المعالجة العضلية و الوظيفيو للوجه والفم، أخصائي تنفس البوتيكو و أخصائي النطق يمكن أن يساعد في التخلص من مشكلة التنفس من الفم.
حل احتقان الأنف
إن التدخل المبكر لاكتشاف و حل مشكلة احتقان الأنف يعتبر مفتاحاً أساسياً لتجنب التنفس من الفم لأن حساسية و احتقان الأنف هي إحدى العوامل الرئيسية التي تجعل الشخص يضطر إلى أن يتنفس من فمه. عادة يتم استخدام الأدوية المضادة للحساسية و الإحتقان للتخلص من مشكلة انسداد الأنف إلا أن استخدام الأدوية على المدى البعيد لا يعتبر الحل الأمثل على الإطلاق خاصة إن كان الشخص قد اعتاد على التنفس من الفم فسيجد صعوبة للانتقال للتنفس من الأنف حتى و إن كان الأنف مفتوحاً و خالياً من الاحتقان لضمان التنفس من الأنف و إبقاء الأنف مفتوحاً، يُنصح بممارسة تمرينات التنفس التي تستخدم لفتح مجرى التنفس كطريقة بوتيكو للتنفس. طريقة البوتيكو للتنفس
تم تطوير طريق البوتيكو للتنفس في الخمسينيات من العقد الماضي على يد معالج التنفس الروسي كونستانتين بوتيكو الذي أقام دراسة للبحث في كفاءة علاج التهاب الأنف لدى مرضى الأزمة حيث أوضحت الدراسة انخفاض أعراض التهاب الأنف بنسبة 71% و ذلك بعد متابعة دامت 3 أشهر.
تتميز طريقة البوتيكو للتنفس بالسيطرة على حبس الأنفاس، تمرين حبس النفس لإزالة احتقان الأنف، تمرين تقليل التنفس من أجل استعادة . حجم النفس لوضعه الطبيعي.
تمرين التخلص من احتقان الأنف
يمكن التخلص من احتقان و انسداد الأنف سواءً كان احتقان الأنف بسبب حساسية أو لم يكن بسبب حساسية عن طريق تطبيق تمارين التنفس و حبس الأنفاس:
خذ نفس صغيراً بهدوء للداخل ثم أخرج نفساً صغيراً بهدوء للخارج قم بإغلاق أنفك بإصبعيك لحبس أنفاسك
امشي خطوات عديدة قدر المستطاع أثناء حبسك لنفسك، حاول أن تشعر بأنك بحاجة للهواء دون الوصول لدرجة الإختناق بالتأكيد
عندما تستعيد أنفاسك، قم بالتنفس من خلال أنفك فقط و يجب أن يكون النفس هادئاً
يجب عليك أن تستعيد أنفاسك الطبيعية بعد أخذ نفسين أو ثلاثة، إن لم تستطع ذلك فاعلم أنك أطلت في حبس النفس
انتظر دقيقة ثم أعد التمرين مجدداً
كرر التمرين خمس أو ست مرات في المرة الواحدة حتى تتخلص من احتقان الأنف.
في الخلاصة، من المهم للأطباء و أطباء الأسنان أن يقوموا بتقييم التنفس من الفم سواءً عند الأطفال أو البالغين. إن تمت معالجة مشكلة التنفس من الفم مبكراً ، ستقل أو تنعدم توابعها السلبية بشكل كامل خاصة فيما يتعلق بشكل الوجه و نموه و باقي الآثار الصحية السلبية التي ترتبط بالتنفس من الفم بدلاً من الأنف.